إنه البديل التقدمي يا سادة للنظام وللاخوان

كانت قضية فلسطين هي موضوع مقالتي الاسبوعية في البديل طوال شهر كامل. الخط الواصل في كل المقالات كان نقد حماس خصوصاً والتيارات السياسية الدينية عموماً. لقد تفاعل القراء مع ما كتبت على موقع البديل الالكتروني، بعضهم بإبداء التقدير والتأييد لوجهة نظري وبعضهم بالاختلاف الذي لم يخل عند معظمهم من التطاول والتهجم على شخصي المتواضع. أحيي وأشكر كل من عبر عن تقديره لما كتبت. فمثل هؤلاء هم الذين يجددون لدينا طاقة الاصرار على قول الحقيقة. أذكر على وجه الخصوص الاستاذ الفاضل محمد الرداد الذي تفضل بتعريف نفسه وظيفيا فقال أنه وكيل وزارة التربية والتعليم ببور سعيد. فلنبتهج، ما زال هناك عقول نيرة في وزارة التعليم المصرية، وما زال هناك ناس مصرة على رفع صوتها العقلاني الصادق في مواجهة صراخ التعصب والترهيب. لهؤلاء القراء أقول.. أرجوكم لا تتوقفوا أبداً عن رفع درجة صوتكم.. الصوت الغوغائي لا يتسيد إلا بفضل سيطرته بالقوة على الميكروفون في معظم المحافل، كما بفضل العنف المادي واللفظي الذي يستخدمه ضد خصومه. هذا الصوت لن ينهزم إلا بالمواجهة الشجاعة التي ستجبره على أن يُخفض من علوه حتى يسمح للناس سماع صوتاً أخر. شكراً للثورة التكنولوجية التي أتاحت لنا مساحات حرة لن يستطيعوا أن يستخدموا فيها الجنازير والمطاوي ضدنا. إننا لمنتصرون مهما طال الزمن. الشمس تشرق من الشرق. لن يغير من هذه الحقيقة أبدأ أن تقول أقلية منظمة صوتها عالي أنها تشرق من الغرب.

من المهم قبل غلق ملف غزة أن أؤكد للقراء الأعزاء أن الانتقادات والتهجمات على شخصي لم تزدني إلا يقيناً. حماس يمكن نقدها على العديد من الأصعدة.. تسلطها واستبدادها وعنفها تجاه مخالفيها من الفلسطينيين (أقرأوا تقارير الجهات الحقوقية التي رصدت الجرائم البشعة التي ارتكبتها الحركة بعد سيطرتها على غزة) كما على صعيد أدائها السياسي في القضية المركزية لشعبها وهي بناء الدولة الوطنية الفلسطينية. بسبب الظروف الاستثنائية للعدوان الاسرائيلي على غزة كان من الضروري تركيز النقاش على أداء حماس كحركة مقاومة وتأجيل القضايا الأخرى. لقد توجهت بأسئلة محدد لأنصار حماس على رأسها.. ما هو برنامج حماس لتحرير فلسطين؟ والحق أني لم أحصل على أي إجابة. فلنسجل هذه النقطة ولنحفظها جيداً، ولنتذكر أن حماس اسمها “حركة المقاومة الاسلامية”، وأنها الفصيل الفلسطيني الوحيد – على حد علمي – الذي لا يحتوي اسمه لا على كلمة تحرير ولا على كلمة فلسطين. أنظروا إلى أسماء الفصائل الأخرى.. حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) منظمة التحرير الفلسطينية، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.. الخ. في الحقيقة ليس بوسعي بعد أن تابعت أداء حماس طوال السنوات الماضية إلا أن أشك أن غياب كلمة فلسطين وكلمة تحرير من اسم الحركة لم يكن صدفة. وأنه كما أن السيد مهدي عاكف قال طظ في مصر، لأن هناك ما هو أهم منها، فإن حماس أيضاً ترى أنه هناك ما هو أهم بكثير من فلسطين.

المهم ليس فقط إبراز أن لا حماس ولا أنصارها لديهم إجابة على السؤال المركزي للقضية الفسطينية لكن من الضروري أيضاً بيان كيف حاول أنصار حماس التعامل مع سؤالي. بعضهم قال لي بشكل شفوي (فهذا كلام لا يُكتب) أنه ليس هناك برنامج، لأنه ليس هناك حل أصلاً للقضية الفلسطينية (يعني بلاش وجع دماغ)، وبعضهم الأخر قال أن النضال الفلسطيني وظيفته كشف عجز النظم العربية وتبعئة الجماهير ضدها، وأن فلسطين لن تتحرر إلا بالثورة الشاملة في المنطقة وفي العالم. يعني باختصار لا أهمية لصياغة برنامج لأن القضية مؤجلة لحين تقوم الثورة العالمية أو الثورة العربية! كلام مذهل! أما من تفضل وكتب ضد سؤالي، فقد حاول اسكاتي أولاً عن طريق الرد على بأسئلة عكسية.. وما هو برنامجك أنت لتحرير فلسطين؟ وهو رد غريب جداً. فأنا مصري ولست فلسطينياً، وعلاقتي بالقضية بالأساس هي علاقة تضامن انساني مع شعب مظلوم أو علاقة تحالف مع مناضلين من أجل الحرية في بلد شقيق وجار. السؤال العكسي تبعه القول بأني لا أملك إلا شعارات بدون برنامج.

والحقيقة أنني لست شريكاً في صياغة أي برنامج لتحرير فلسطين، لكن هناك أطراف فلسطينية لديها أفكار وبرامج تستحق النقاش مثل المبادرة الوطنية الفلطسينية مثلاً أو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الخ. وعلى كل حال نقطة البداية في صياغة برنامج ناجح لتحرير فلسطين هو نقد البرامج الموجودة بالفعل أو نقد غياب البرامج (كما فعلت وفعل غيري مع حماس). البعض حاول اسكاتي ثانياً عن طريق القول بأنني انتقد حماس دون أن أتعرض لإسرائيل أو للسلطة الفلسطينية. والحقيقة من يقول ذلك لا يفهم أصلاً وظيفة الكتابة السياسية. فليس من دوري التأكيد على أن الشمس تشرق من الشرق وإن إسرائيل دولة مجرمة وعنصرية، إلا إذا كانت هذه الحقيقة محل شك، وهذا ليس حال القاريء المصري والعربي الذي أتوجه له. والبعض رد ثالثاً بسؤال ما هو البديل لحماس؟ ففتح فاسدة ومتخاذلة وفصائل اليسار ضعيفة. وهو كلام يشبه نفس الذي يقال لنا في مصر، عليكم أن تختاروا بين نظام الحكم والتيار الديني السياسي. إلى هؤلاء أقول أنني لن أقبل أبداً بالاختيار بين بديلين أحلاهما مر، وسأضيف أني أكتب لجريدة تحمل اسم “البديل”، رأى مؤسسوها أن بناء تيار تقدمي بديل لكل من نظم الحكم وللتيار السياسي الديني هو أمر ممكن بل وضروري في مصر كما في العالم العربي. كان هذا هو القصد وسيظل ذلك هو السبيل.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *