الكتلة المصرية تتشكل للمنافسة في الانتخابات البرلمانية

نشرت: أغسطس 2011 – علي الأنترنت

بإعلان قيام “الكتلة المصرية” هذا الاسبوع يكون لدينا ثاني تحالف سياسي يتأسس بعد الثورة ويضم في صفوفه أحزاب وتيارات سياسية متنوعة. التحالف الأول نشأ في شهر يونيو الماضي تحت إسم “التحالف الديمقراطي من أجل مصر” ويضم في صفوفه حزب الوفد والحرية والعدالة (إخوان مسلمين) والغد والناصري والنور وأحزاب أخرى. وبالطبع قيام هذه التحالفات لا يمكن فهمه إلا في إطار اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية التي ستبدأ إجراءات التقدم لها في شهر سبتمبر، وستجرى على الأغلب في شهر نوفمبر.

من هي الأطراف المشكلة لهذا التحالف الجديد؟ تضم الكتلة المصرية أحزاب ليبرالية مثل الجبهة الديمقراطية والمصريون الأحرار وديمقراطية اجتماعية مثل الحزب المصري ويسارية مثل التجمع والتحالف الاشتراكي وقريبة من الجماعات الصوفية مثل حزب التحرير. من المهم ذكره هو أنه لا تزال هناك مفاوضات يجريها قادة التحالف الجديد لضم التيار المصري وهو يتشكل أساساً من مجموعة من شباب الاخوان الذين انفصلوا عن الجماعة الأم. كما يضم التحالف بصفة مراقب مجموعة من النقابات العمالية المستقلة القريبة من اليسار. التحالف الجديد إذن متعدد المرجعيات الايديولوجية. فما هي الأرضة المشتركة بين هؤلاء المنتمين لليمين واليسار والصوفيين والخارجين من الاخوان؟ وما هي خصائص التحالف الجديد؟

الخاصية الأولى للتحالف هو تصوره لعلاقة الدين بالدولة وبالسياسة. فبخلاف التحالف الأول الذي يضم الاخوان المسلمين يتشكل هذا التحالف الجديد أساساً من قوى سياسية ترفض خلط الدين بالسياسة وتعارض تيار الإسلام السياسي. لا يستثنى من ذلك إلا التيار المصري المشكل من أعضاء سابقين في الإخوان والمحتمل انضمامه وحزب التحرير القريب من الصوفيين. لكن في الحقيقة التيار المصري قد قطع شوطاً كبيراً في التمييز بين العمل السياسي والعمل الديني الدعوي. كما أن حزب التحرير ليس حزباً دينياً أو ذا مرجعية دينية مثل حزب الإخوان المسلمين. فالصوفيين عادة لا يشكلوا أحزاب ولا يمارسوا السياسة. حزب التحرير هو في الحقيقة تعبير عن قلق شديد ينتاب الطرق الصوفية جراء صعود القوى السلفية التي يكفر بعضها الصوفيين وما ترتب على ذلك من تدمير بعض مقامات الصوفية. الكتلة المصرية بذلك الطابع المدني تستطيع الحصول على تأييد واسع من الجماعات الدينية والفئات الاجتماعية التي لا تريد للتيارات الدينية أن تسيطر على المشهد السياسي مثل المسلمين الرافضين للتشدد السلفي والمسيحيين والصوفيين بالإضافة إلى جماعات اجتماعية ستضرر بالتأكيد من سيطرة التيار الديني مثل العاملين بقطاعات السياحة والفن وغيرهم.

المشكلة أن هذه الكتل التصويتية لا تكفي للحصول على أغلبية برلمانية. التحدي الأساسي الذي يواجه التحالف الجديد هو جذب قطاعات من المصريين لا تعنيهم كثيراً قضية علاقة الدين بالدولة، وإنما ينصب همهم الأساسي على الاقتصاد والأمن. ففي بلد يظل فيه حوالي نصف السكان في حالة فقر مدقع أو نسبي وفي بلد الأمن فيه منهار يصعب جذب الكثير من الناس فقط على أرضية الموقف من علاقة الدين بالدولة. وهذا ينقلنا إلى الخاصية الثانية للتحالف والتي يراهن عليها لتحقيق نجاحات انتخابية. معظم الأطراف المشكلة للتحالف كانت مشاركة في ثورة يناير. وبخلاف جماعة الاخوان التي شاركت هي الأخرى في الثورة، هذه الأطراف كانت ناقدة بشدة لأداء المجلس العسكري الحاكم وصوتت بلا على التعديلات الدستورية التي اقترحها المجلس العسكري، وشاركت في المظاهرات والاعتصامات التي تلت الثورة للضغط على المجلس العسكري والحكومة من أجل الاستجابة لبعض المطالب مثل محاكمة مبارك وأركان نظامه ووقف محاكمات المدنيين أمام محاكم عسكرية وحد أدنى للأجور وغيرها. المزاج الثوري أو القرب من المجموعات الشبابية التي شاركت في الثورة وظلت على حالة من التعبئة بعد إسقاط حسنى مبارك هو أهم ما يميز القوى المشكلة للتحالف الجديد. بالطبع التحالف الجديد لا يضم كل الأطراف التي شاركت في الثورة، لكنه يضم بعض الشخصيات المنتمية لمجموعات كان لها حضور قوى في الثورة مثل حملة دعم البرادعي.

هذا المزاج “الثوري” يظهر جلياً في البيان التأسيسي للتحالف الجديد الذي يتحدث عن وحدة القوى الوطنية لاستكمال مهام الثورة. المراد هنا هو أن يطرح التحالف نفسه على الناخبين باعتباره أحد الورثة الشرعيين للثورة. المشكلة الأولى أن إقناع الناخبين بذلك يواجه تحدى كثرة الورثة الشرعيين وغير الشرعيين للثورة. في زحام الائتلافات والمجموعات الحقيقية والوهمية التي تدعى نسبها للثورة يحتاج التحالف الجديد إلى مجهود كبير لكي يبرز كأكبر وريث للثورة. المشكلة الثانية أن كلمة ثورة باتت مرتبطة عند بعض قطاعات الشعب بنوع من المراهقة السياسية التي تدفع أصحابها لحالة متواصلة من الاعتصام والتظاهر المفتقد لبوصلة واضحة. من هنا سيستفيد التحالف من الشرعية الثورية فقط لو وضعها على أرضية برامج سياسية واقعية ومفهومة للناخبين. بالإضافية إلى ذلك الانتساب للثورة يمكن أن يفيد التحالف الجديد إذا ارتبط بقدرته على جذب دعم وجهود الالاف من الشباب الذي شارك في الثورة والذي لم ينضم حتى الأن إلى أي تشكيل حزبي. بالطبع هناك مجموعات تغلب عليها الروح الأناركية (الفوضوية) واضعة أياها دائماً في حالة عداء للاحزاب السياسية، وهو الأمر الذي تبين في مظاهرات التحرير حينما كان بعضهم يهاجم أحياناً منصات الأحزاب بالهتافات أو بالقوة الجسدية. هذا المجموعات لا يمكن للأحزاب حالياً الاستفادة منها. لكن هناك مجموعات أخرى على الرغم من تشككها في الأحزاب السياسية القائمة، فإنها لا ترفض الفكرة الحزبية برمتها وبالتالي يمكن جذب بعضها لتأييد التحالف.

الخاصية الثالثة للتحالف هي احتوائه على أحزاب يسارية ونقابات عمالية (بصفة مراقب)، وهو الأمر الذي يفتقده التحالف الأخر الذي يضم الوفد والإخوان والذي يغلب عليه السمة اليمينية المحافظة فيما يخص الأمور الاقتصادية والاجتماعية. الميزة هي أن التحالف الجديد يمتلك شرعية تقديم نفسه باعتباره معبراً عن طموحات أكثر من نصف المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر أو فوقه مباشرة. والميزة أيضاً أن القوى اليسارية الداخلة في التحالف تحتوى على بعض القيادات النقابية العمالية التي يمكن الرهان عليها في الانتخابات كما تمتلك بعض العلاقات بالطبقة العاملة يمكن تفعيلها في المعارك الانتخابية. لكن المشكلة أن اليسار المصري بشكل عام ضعيف وينقص معظم أطرافه الروح العملية المتجاوزة للايديولوجيات الضيقة. المشكلة الثانية أن التحالف الجديد يضم بين صفوفه أحزاب في أقصى اليمين مثل المصريين الأحرار الذي يرعاه رجل الأعمال الشهير نجيب ساويرس. وبالتالي فإن قدرة التحالف الجديد على تقديم نفسه باعتباره تحالف العدالة الاجتماعية متوقف على النجاح في إقناع الأطراف الليبرالية في التحالف بجدوى الميل نحو اليسار لحصد أصوات من الطبقات الشعبية والفقيرة.

الخلاصة أن الكتلة المصرية تمثل خطوة هامة في سبيل تجميع قوى سياسية في تحالفات. والتجميع هنا هو مطلب شعبي بامتياز، حيث أن الجمهور المتابع للسياسة بات يشتكي في الشهور الأخيرة من العدد اللانهائي للاحزاب والمجموعات السياسية التي يصعب على الناس التمييز بينها. ومن هنا فإن بروز كتلتين أساسيتين في الانتخابات المقبلة يسهل على المواطن العادي اتخاذ قراراته التصويتية. التحدي الأساسي الذي يواجه كل تحالف هو قدرته على إقناع الناخب أن الأطراف المشكلة للتحالف قد اجتمعت على أرضية حقيقية وصلبة وليس فقط على أساس الانتهازية السياسية وتجميع الأصوات لحصد أكبر عدد من مقاعد البرلمان المقبل. فالتحالفات هي أكثر من حاصل جمع أطرافها. التحدي الأساسي هو قدرة كل تحالف على تحقيق انسجام وتناغم بين الأطراف المشكلة له بحيث تتحدث لغة سياسية واحدة. وهذا أمر مهم في الانتخابات المصرية المقبلة لأنها لن تكون محكومة فقط – كما كانت العادة في عهد النظام الديكتاتوري – بالاعتبارات المحلية الضيقة وبالعلاقات العائلية والشخصية. هناك عدد معتبر من الناخبين ليس تابعاً لأي معسكر قائم وهو سيصوت في الانتخابات المقبلة بناء على قبوله للخطاب السياسي للتحالفات والتجمعات السياسية الموجودة. وليس من المستبعد أبداً أن يرجح هؤلاء كفة المعسكر الرابح.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *