أعزائي وزراء المجموعة الاقتصادية المصرية،
اسمي نيكوللو مكيافيللي، ولدت في ايطاليا في القرن السابع عشر، وعملت في بلاط الأمراء هناك. وفي منتصف العمر، ضاقت بي السبل فكتبت أهم كتاب ظهر في عصري.. كان عنوانه “الأمير”، وقد قدمت فيه عصارة خبرتي في السياسة للجالسين على العروش. كنت أنتظر أن أحصل على وظيفة مستشار لأمير فلورانسا بعد أن أبرزت عضلاتي في معرفة فنون السياسة وبعد أن قمت بإهداء الكتاب له. لكن للأسف لم أحصل على الوظيفة. والأسوأ أنني تعرضت لحملات من الهجوم لا يحتملها بشر. قالوا أني برجماتي.. قالوا أني بعت روحي للشيطان.. قالوا أني دعوت إلى قيام سياسة بلا أخلاق. والأنكي أن من كتبت من أجلهم الكتاب – الأمراء – تخلوا عني ورجموني بالحجارة مع الراجمين. وحتى هذا اليوم يستخدم الناس اسمي في الدلالة على الانتهازية السياسية، فيقولون عن هذا الشخص أو ذاك بأنه مكيافيللي النزعة.
أنا لا ألومهم، فأنا أعرف الجرم الذي ارتكبته في حق الأمراء، لقد كشفت سرهم بدون أن أقصد. فالسذج كانوا يعتقدون أن السلطة هبة من الرب يحتفظ بها الملوك والأمراء بمقتضى البركة التي يحصلون عليها من السماء أو من ممثلي السماء على الأرض أي الكنيسة. أنا أول واحد في أوروبا يتحدث عن السياسة بشكل عقلاني بارد باعتبارها مهنة يمكن إتقانها بالمعرفة النظرية والخبرة العملية. أنا أول واحد يتحدث عن السياسة باعتبارها صراع قوى. أنا أول واحد يضع دليل للأمراء عن كيفية تدوير ماكينة السياسة والدولة. لقد أذعت سر طبخة السلطة، لهذا كان على أن أدفع الثمن. وقد دفعته ولكني تعلمت شيئاً ثميناً جداً أن مستشار الأمير يمكن أن يكتب في كل شيء وأي شيء إلا في العلوم السياسية. وهذا ما أتعهد به إذا ما حصلت على وظيفة في بلاطكم.
لن أطيل عليكم معالي الوزراء، فوقتكم محدود. أنا لست بصدد رواية قصة حياتي، برغم ما فيها من عبرة. أنا أكتب إليكم لكي أتقدم لشغر وظيفة مستشار أمراء المجموعة الاقتصادية المصرية، أي مستشار لسعادتكم. نعم.. لقد تعددت خبراتي في القرون الماضية، فبعد أن تنقلت في العديد من الدول الأوروبية وأمريكا في القرون الأخيرة استقر بي الحال أخيراً في أمريكا اللاتينية حيث عملت مستشاراً للعديد من الأمراء. ولكن بعد أن سقط الأمراء هنا واحد تلو الأخر، وبعد أن زحف اليسار على السلطة في معظم الدول هنا، لم يعد لي مكان في هذه القارة التي تتلون باللون الأحمر. لا اكتمكم سراً أنني أعاني من البطالة هذه الأيام، فأنا أمتهن مهنة مستشار الأمير، والأمراء المتبقين في عالم اليوم قليلين. الأمراء الجدد في أوروبا وأمريكا ليسوا إلا أشباه أمراء، نصائحي لن تفيدهم كثيراً، فهم يعملون في نظم سياسية يسمونها ديمقراطية، فيها قواعد للعبة لا أعرف عنها الكثير. البركة في تلامذتي النجباء الذين يعلمون اليوم بكل كفاءة في بلاط الأمراء الجدد في أوروبا وأمريكا.
وعلى ذلك، فقد قررت أن أشد الرحال إلى جنوب البحر المتوسط، إلى بلاد العرب، وبالذات إلى مصر، درة الإمبراطوريات التي سادت في البحيرة المتوسطية. هنا، عندكم، يمكن أن أجد أمراء ونبلاء بحق وحقيقي. هنا يمكنني أن أثبت أني لازلت الملك المتوج على عرش العلوم السياسية في البلاد التي يحكمها أمراء. لقد سمعت عن التطورات السياسية في بلدكم. سمعت عن الفكر الجديد, وعرفت أن ابن الرئيس اجتذبكم من عالم الأعمال أو من المؤسسات المالية الدولية لكي تمسكوا بحقائب الوزارات الاقتصادية. أنتم ضالتي. فأنتم تجيدون لغات أجنبية، وتعلمتوا في جامعات أمريكا وتعرفون جيداً من هو مكيافيللي وما هي قيمة مكيافيللي في الممارسة السياسة. رجال السلطة الآخرين – بما فيهم الرجل الكبير – لا يعرفون للمستشارين قيمة. أنتم تعرفون بالطبع ما فعله رئيسكم بالدكتور سعد الدين إبراهيم وبغيره.
وعلى سبيل عربون الصداقة والمحبة أرسل إليكم الوصايا العشر في الحفاظ على المنصب الوزاري الاقتصادي في المحروسة. لعلكم تجدون فيها ما يثير شهيتكم للاستزادة من ينبوع دهائي السياسي.
الوصايا العشر للوزير الاقتصادي
– أولاً: العين لا تعلو على الحاجب: أنت الآن في ملعب السلطة لأن ولي النعم سمح لك بالنزول فيه. لذلك انسى كل شيء في حياتك حتى اسمك ولكن لا تنس أبداً أن ولي النعم خط أحمر، فهو الحكم في الملعب، إذا غضب عليك سيقوم بطردك بكارت أحمر، ولن يفيدك هنا الطبالين والزمارين وسط الجمهور فهم لن يفعلوا أكثر من سب الحكم.
– ثانياً: قبل اليد التي رفعتك: ولي النعم لم يسمع اسمك من قبل، الأمراء في بلدكم لا يقرءون لا عن الاقتصاد ولا عن غيره. لقد دخل اسمك إلى طبلة أذنه بواسطة أحد رجال القصر. أظهر أيات العرفان بالجميل للراعي الرسمي الذي حملك إلى المنصب الرفيع حملاً.
– ثالثاً: الأيام دول وابن أدم فاني: لا تركن بجوار الراعي الرسمي وتعتمد عليه إلى الأبد. ابني شبكلة تحالفات مع رجال أخرين في القصر وخارج القصر.
– رابعاً: الأيام دول والمناصب زائلة. اعمل لمنصبك كأنك تظل فيه أبداً، وإعمل لما بعد المنصب كأنك تغادره غداً. إذا لم تكن وارث أو راقد على ثروة طيبة، جهز نفسك لوظيفة جيدة ومريحة ترفل فيها بعد الخروج من المنصب، أو جهز نفسك لمشروع بيزنس ناجح لابد أن تراكم في رأسماله خلال احتلالك المنصب الرفيع.
– خامساً: مرة أخرى، العين لا تعلو على الحاجب: الرشوة المباشرة من سمات الموظفين الصغار. ترفع وتعالى عن الرشوة، وإذا لم تستطع ضع شعار “رشوة وأنا سيدك” خلفك على الحائط. لا تسمح للراشي أن ينسى نفسه ويظن أن رأسه برأسك. فالسياسة المصرية تقوم على مبدأ “الناس مقامات” وانت مقامك رفيع لأنك جالس على كرسي مرتفع.
– سادساً: انجليزي ده يا مرسي؟ إذا كنت حاصل على شهادة دكتوراه في الاقتصاد حاول استخدام النظريات والمعارف التي تعلمتها في فرض انطباع لدى المتعلمين والمثقفين أنك تقود الجرار الذي تعتليه بناء على منطق محكم وخطة علمية مؤكدة. لا بأس من تتكلم بلغة أو برطانة لا يفهمها أحد ولا حتى أنت. العامة عندما لا تفهم كلام الوزير تظن أن العيب فيها، وهذا هو المراد.
– سابعاً: العلم في الراس مش في الكراس. إذا كانت شهاداتك مضروبة وإذا لم تعوض هذه الشهادات باكتساب المعارف من خلال القراءة والتحصيل تفادي الحديث في الاقتصاد وتكلم فقط في الإحصاء، في لغة الأرقام كما يسميها الرجل الكبير عندكم. فأنت الوحيد المؤهل للحديث في الاحصاء، لأنك صانع الاحصاءات التي تتحدث عنها. عاجل مستمعيك وخصومك بسيل من الأرقام يشل قدرتهم على الرد وأرفض أي حديث في الاقتصاد والسياسة لأن الخوض فيهما سيبرز ضألة علمك ومحدودية معارفك.
– ثامناً: إذا كان المتحدث مجنون فالمستمع عاقل. لا تبالغ في فبركة الإحصاءات التي تستخدمها وإلا فقدت كل قيمة لها في الإقناع. إذا اضطررت للفبركة الفجة، لأن ولي النعم يريد إحصاءات معينة، أو لأن معاونيك لا يجيدوا فبركة الإحصاءات أو لأي سبب أخر، لا تبتئس، ففجاجة أرقامك يمكن أن تصبح سلاحاً فتاكاً، فهي إما ستميت الناس من الغيظ أو من الضحك. والنتيجة واحدة.
– تاسعاً: الاقتصاد في السياسة والسياسة في الاقتصاد: الاستقرار هو الهدف السياسي الأول لولي النعم ولرجال القصر. احترم متطلبات الاستقرار، راضي أصدقاء وأقارب وجيران رجال القصر، افتح لهم أبواب الرزق الحلال وغير الحلال إذا تطلب الأمر من خلال التعيين في وظائف بالدولة أو بالتجارة معها أو من خلال تنفيذ مشروعاتها.
– عاشراً: السياسة قبل الاقتصاد: العامة والرعاع لابد وأن يشعروا بالشبع حتى يستكينوا. لابد من توفير طبق الفول للدهماء عندكم وإلا هاجوا وماجوا وهدموا المعبد على من فيه. لا تلتفت لأي نظريات لبرالية تنصحك بالتخلص نهائياً من دعم الطعام. فلتذهب كل النظريات إلاقتصادية إلى الجحيم إذا لم تراع متطلبات رجل السياسة.