أعداء الحب

أكتب هذه المقالة تعليقاً على المقالة الرائعة للأستاذة كريمة كمال والتي نُشرت في هذه الصفحة بعنوان “الأقباط بين حكم البابا وحكم القانون”. وقد تعرضت فيها لمشكلة الحكم القضائي الذي صدر لصالح البعض موصيا الكنيسة بتزويجهم مرة ثانية وفقاً لقانون سابق كانت الكنيسة قد صاغته من قبل. لقد رفضت الكنيسة تنفيذ الحكم، وهو ما دفع الكاتبة إلى دعوة الدولة لتحمل مسئوليتها وتزويج هؤلاء. للأستاذة كريمة كل الحق. فالزواج حق لا يجب أن يُحرم منه الإنسان لأنه أخطأ مرة في اختيار شريك العمر. هذه القسوة التي تتعامل بها قيادة الكنيسة مع أكثر من مائة ألف إنسان تدعو للعجب، أليس من مباديء الدين الحب والرحمة والمغفرة؟ هل من الحب والرحمة حرمان البشر من حقهم في الحب وفي الزواج؟ لماذا هذا التفسير الجامد للنصوص؟ النص المقدس يقول “من طلق امرأة لعلة غير الزنا فهو يجعلها تزني”. لماذا لا يتم تأويل الزنا هنا مجازياً كما هو واضح في النص الآتي “كل من نظر لامرأة فاشتهاها فهو يزني بها في قلبه”. ولماذا لا يتم تأويل علة الزنا تأويلاً فضفاضاً؟ لا شك أن هناك تصلب في تفسير النصوص، فهناك تفسيرات أخرى ممكنة للنص. أنظر إلى العبارة الآتية وكيف تفسرها الكنيسة “ما جمعهما الرب لا يفرقهما إنسان”. التأويل المنطقي يقول من جمعهما الرب لا تستطيع قوة على الأرض تفرقتهما. ولكن التأويل الأخر المعتمد يقول أن من جمعهما الرب وباركتهما الكنيسة لن تستطيع قوة على الأرض تفرقتهما حتى لو رغبا في الانفصال. ماذا عمن جمعهما الشيطان؟ بعض الزيجات تشهد اكتشاف أحد طرفي العلاقة أن الأخر قد غشه وأخفى عنه معلومات مروعة. أليس هذا من الشيطان؟ هل للكنيسة آلية تستطيع بها كشف كذب المتقدمين للزواج؟ هذا ليس افتراض نظري، ولكن هذا ما حدث لصديق لي، وعندما حاول إقناع السلطات الدينية بعدالة قضيته طُلب منه الصبر لأن لكل إنسان صليب يحمله في الحياة، وهذا هو صليبه وقدره. وهو قول غريب، لأنه وفقاً للكنيسة المسيح حمل الصليب فداءً للبشرية، فلماذا لا ترفع الكنيسة الصلبان عن كاهل رعاياها ؟
الأسئلة كثيرة وأخشى ألا يكون لها إجابات. لذلك سأصل إلى نفس نتيجة الأستاذة كريمة بأن الدولة لابد أن تتحمل مسئوليتها، ليس بأن تفرض على الكنيسة ما لا ترغب فيه، ولكن بصياغة قوانين للزواج المدني لمن أراد. وهو ما يمكن تحقيقه في اعتقادي خلال عدة سنوات. وعلى هذا أختلف مع الكاتبة في الجملة الختامية للمقالة “والمشكلة في الواقع أن هذا يصعب كثيراً بالذات في المرحلة التي نمر بها الآن لأنه يستدعي إرادة سياسية ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإصلاح السياسي والدستوري وكفالة الحريات الأساسية ونحن في مرحلة لن تسعي فيها الدولة، إلا إلي الابتعاد عن مزيد من الضغوط إيثاراً للسلامة.” صحيح أن النظام مشغول الآن بأمور تهمه أكثر من حق وسعادة أكثر من مائة ألف مواطن. لكن هذه طبيعة الأمور، فالتغيير لا يأتي من أعلى.. بل من أسفل. التغيير سيأتي عندما يقرر هؤلاء الناس أن يأخذوا مصيرهم بأيديهم ويدافعوا عن حقهم في الحياة الكريمة. عندها سيستمع لهم النظام. فهؤلاء بشر، لا يصح التلاعب بمصائرهم في جولات الشد والجذب بين النظام والكنيسة، فيتذكرهم النظام عندما يريد أن يضغط بهم على الكنيسة وينساهم عندما يحقق غرضه. لا يجب أن ننتظر الدولة الديمقراطية لكي تأتي بالمن والسلوى والخير للجميع. الدولة الديمقراطية هي حاصل جمع كل المعارك “الصغيرة” التي يدخل فيها الأفراد والجماعات للدفاع عن حقوقهم الإنسانية. لكل منا معركته “الصغيرة”.
المشكلة أننا نترك أنفسنا نخسر المعارك الصغيرة اعتقاداً أننا نخوض المعركة الكبرى، وهذا هو الأفيون بعينه، لأن من لا يخوض المعارك الصغيرة لا لن يكسب أبداً المعارك الكبيرة. كم منا خسر معركة ممارسة حقه في الحب وفي الزواج؟ كما منا ترك قوى الشر تقرر له من وكيف يحب؟ هناك هزيمة شاملة للحب في مصر، وهو ما يجعل من يتعاطاه يتخفي حتى لا يراه الآخرون فيمارسوا فيه التعذيب عقاباً على استمتاعه بما يفتقدون له. لقد سيطر المحبطون على المجتمع المصري ومارسوا فيه التنكيل بالحب والمحبين. هذا ما كان يعنيه خالد الذكر شاعرنا العذب صلاح جاهين حين قال في إحدى رباعياته “ورا كل شباك ألف عين مفتوحين، وأنا وأنتي ماشيين يا غرامي الحزين.. لو التصقنا نموت بضربة حجر، ولو افترقنا نموت متحسرين.” لم تعد كل أغاني التراث المنددة بالعزول من عصر خالد الذكر سيد درويش إلى وقتنا هذا تكفي لكف يد العوازل، فهم قد استولوا على السلطة في البلاد ومارسوا التنكيل بالعباد. عندما يخرج المحبون إلى الشارع متشابكي الأيدي، مرفوعي الرأس سنعرف حينئذ أننا في لحظة التغيير.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *