التيار الإسلامي والتيارات الموازنة

قرر الاتحاد الأوروبي ومن قبله الولايات المتحدة الشروع في الحوار مع التيار الإسلامي العربي. المنطقة العربية مصنفة من قبل تلك القوى العظمي باعتبارها في مرحلة الانفلات. وهو ما يمثل تهديداً لمصالحها في المنطقة، الأمر الذي يضغط عليها لقبول الإسلاميين. ربما يكون باستطاعتهم السيطرة على الأمور. من المعروف أن هناك وداً مفقوداً بين طرفي الحوار. التيار الإسلامي له وجهة نظر حادة النقد لما يسميه “الغرب”. وهذا الغرب بدوره له رأياً شديد السلبية في التيارات الإسلامية. ولكن مقتضيات السيطرة على حالة الانفلات التي تشهدها المنطقة تدفع الدول الكبرى إلى تجرع السم وتبني فكرة أن التيار الإسلامي “المعتدل” هو القادر على ضبط الأمور في المنطقة، بل أنه أقدر من غيره على قمع الاتجاهات الإسلامية الراديكالية.
عندما قيل للأوروبيين والأمريكيين مؤخراً أن الانتخابات الحرة ستأتي حتما بالتيارات الإسلامية التي ستنقلب على العملية الديمقراطية بمجرد وصولها إلى السلطة، ردوا بأن هذا غير صحيح وأن هناك تيارات إسلامية معتدلة. والحقيقة أن تحول موقف الأوروبيين والأمريكيين من التيار الإسلامي قد سبقه تحول في داخل المجتمعات العربية، بمقتضاه أصبحت النخبة المدنية تميل أكثر فأكثر إلى قبول فكرة أنه لا يمكن الحديث عن نظام ديمقراطي في العالم العربي بدون أن يكون الإسلاميين شركاء فيه. التيار الإسلامي يمثل قاعدة هامة في المجتمعات العربية ويجب أخذه في الاعتبار.

قد نختلف حول مدى الاعتدال الذي يتحلى به أو يمكن أن يتحلى به التيار الإسلامي في المستقبل. ولكننا لن نختلف كثيراً حول بديهية أنه إذا كان للتيار الإسلامي أن يسير خطوات أخرى في طريق الاعتدال أكثر فإن ذلك سيكون بفضل وجود قوى أخرى في المجتمعات العربية تستطيع أن توازن قوة التيار الإسلامي. وحتى الآن تظل تلك القوى بطيئة الحركة وقليلة الثقة بنفسها. ربما هي تعتقد أنه في أسوأ الفروض فإنه هناك حدود لما يمكن أن يقبله المجتمع الدولي من تجاوزات في موضوع حقوق الإنسان. ربما، ولكن أليس من الأضمن لمصلحة استمرار العملية الديمقراطية أن تكون هناك حالة من التوازن لا تغرى أحد الأطراف بتجاهل الآخرين؟ التيار الليبرالي العربي أصبح يتحدث مثل اليسار عن أن أزمته راجعة إلى أن الدولة تحاصره. وهو الأمر المقلق على الرغم من صحته. فإغلاق الدول العربية للمجال السياسي لعقود طويلة ومحاصرتها للنقابات والأحزاب جعل السياسة تهرب إلى المؤسسات الدينية. وهو الملعب الذي تجيد التيارات السلفية اللعب فيه، بعكس التيارات المدنية. ما يقلق في تركيز التيارين الليبرالي واليساري على حصار الدولة لهما في تفسير الأزمة التي يعيشون فيها هو أنه قد يدفع إلى الركون للارتخاء وعدم الاهتمام بعملية النقد الذاتي من أجل تطوير الأداء. وهو الأمر المقلق مرة أخرى لأنه بدون تيار ليبرالي ويساري قوى في المنطقة العربية تكون فرصة استقرار نظم ديمقراطية في العالم العربي شبه مستحيلة. لأن استقرار الديمقراطية يقوم على انتشار وتوزيع القوة بين مختلف التيارات والمؤسسات في المجتمع.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *