الصراع على رئاسة الجمهورية

يخطئ من يظن أن خطر الفوضى هو ما يتهدد مصر جراء شيخوخة الرئيس وعدم وضوح الرؤية بخصوص القادم الجديد وكيفية وصوله للكرسي. الفوضى تعني أساساً انهيار الوظيفة الأمنية للدولة. عصابات تهاجم الناس في الشوارع، منظمات وجماعات تبدأ في شراء وحمل السلاح سواء طمعاً في الحكم أو خوفاً من النتائج المترتبة على غياب السلطة المركزية. من يحب أن يتخيل سيناريو الفوضى في مصر عليه أن يستدعي صور الحرب الأهلية اللبنانية لكي يلون بها الواقع المصري. يعني مثلاً أن يجد في الواقع المصري مثيلاً لمنظمة التحرير، وحزب الكتائب وحركة أمل، والحزب الشيوعي اللبناني، الخ. وطالما لم يكن لدينا منظمات تماثل تلك اللبنانية – باستثناء واحدة سنعود إليها فيما بعد – ولا طوائف ومؤسسات سياسية مشابهة للبنان، فمن الصعب تخيل أي سيناريو حقيقي للفوضى في مصر. بعبارة صريحة، لو مات الرئيس حسني مبارك دون أن يختار خليفته كما فعل الرئيسين ناصر والسادات، فلن يعني ذلك وقوع فوضى.

أنا متأكد أن المجموعة الحاكمة ستجد بديلاً لمبارك. هذا الرئيس الجديد لن يكون بالتأكيد موضع إجماع الشلة الحاكمة ولا ذوي النفوذ والقوة في البلد. هؤلاء سيختلفوا، وهو قد ينحاز إلى طرف منهم على حساب أطراف أخرى. لكن عملية الصراع تلك لن تؤدي إلى حرب أهلية. في مارس 1954 هُزم جناح محمد نجيب وخالد محي الدين بدون إراقة دماء. كذلك كانت هزيمة جناح على صبري أمام السادات التي لم يُعدم السادات فيها أحد. فقط أمضوا عدة سنوات في السجن.

خطر الفوضى الوحيد في مصر هو اندلاع صراع عنيف بين جماعة أو جماعات من جهة والدولة من جهة أخرى. هذا ما كان يتهدد مصر في بداية التسعينيات عندما حملت الجماعة الإسلامية والجهاد السلاح ضد الدولة. لم يعد هناك جماعة إسلامية كما تناثرت فلول الجهاد في الخارج. لكن يظل هناك تيار إسلامي واسع وقوي فيه تنظيم يمتلك موارد بشرية ومادية ضخمة وهو الإخوان المسلمين. خطر التيار الإسلامي يأتي من غواية القوة وبالذات القوة المعنوية التي تتجسد في شعارهم “الموت في سبيل الله أعز أمانينا”. فهذا الشعار يعلن تقبل الجماعة لفكرة العنف الممارس ضدها. وهم لا يتقبلونه فقط، لكنهم يفرحون بمقتلهم جراء هذا العنف. وطالما هم يقبلون بفكرة العنف ضدهم، فهم أيضاً قابلين بجدوى العنف ضد الآخرين. صحيح أن هناك غواية القوة لكن أظن أن معظم قيادات الإخوان أكثر حكمة من أن تلقي بنفسها في أتون معركة مثلما حدث في 1954، وأظن هناك أكثر من رادع بالنسبة للإخوان، وإن لجوئهم للعنف في مرحلة حسم الصراع على رئاسة الجمهورية احتماليته ضعيفة جداً. لكن هذا لا يجب أن يمنع الناس من العمل على إضعاف هذه الاحتمالية بأقصى قوة، سواء بالحوار مع الجماعة أو بحشد القوى في مواجهة أي مشروع استبدادي بديل عن الحالي.

إذن بغض النظر عن خطر الإخوان، ليس هناك أي احتمالية فوضى في مصر. لذلك أظن أن حالة التأهب القصوى والدعوى لقيام الجيش بحسم المسألة هي دعوات رجعية، تريد أن ترجع بالمجتمع إلى 23 يوليو 1952، وهي لن تفيد قضية التقدم في مصر. فلا تقدم في مصر بدون حرية وديمقراطية. وحالة التأهب القصوى التي جربناها طويلاً هي حالة لا يصح فيها الحديث عن الحرية ولا عن الديمقراطية. بالعكس يكون فيها الكلام عن الحرية حديثاً خجولاً، متردداً، بما أن البلد رايحة في داهية. لذلك من يقول اليوم أن البلد رايحة في داهية هو أما يدعو إلى انقلاب عسكري جديد أو يساهم فيه بحسن نية.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *