الضرائب العقارية بين اليسار واليمين

كنت في جلسة سمر مع بعض الأصدقاء وعبر البعض عن صعوبة تعريف اليسار في عالم اليوم. فاليسار منقسم على ذاته لدرجة أنه في بلد مثل لبنان كان موزعاً على قوى الموالاة والمعارضة. ولكن الصعوبة لا يجب أن تؤدي إلى موقف عدمي مؤداه أن اليسار انتهى أو أنه لا يسار ولا يمين في سياسة اليوم. إذا كان صعب على يسار اليوم الاتفاق على السياسات فيجب على الأقل أن يتفق على القيم اليسارية التي أحب أن أوجزها في تلك القيم الانسانية التي ورثها اليسار من الاديان والفلسفات مثل العدالة والتضامن والرحمة، بالإضافة إلى القيم التي ورثها من التنوير مثل الحرية والاخاء والمساواة والعقلانية، بالإضافة إلى القيمة المركزية التي أصبحت تميز اليسار عن أي فكر انساني أخر وهي قيمة العمل خالق الحضارة وصانع الحياة.

الصراع الذي دار حول قانون الضرائب العقارية الذي مر من مجلس الشعب يوم الثلاثاء الماضي يصلح كتمرين يمكن من خلاله أن نصنف القوى السياسية تبعاً لمؤشر اليمين واليسار. القيم اليسارية حين تترجم إلى سياسات ضريبية تجعل من اليسار مدافعاً شرساً عن زيادة للضرائب على الأثرياء خاصة إذا تولد ثرائهم من الاكتناز والمضاربة. كما تجعله معارضاً صلباً للضرائب على الشغالين والفقراء. وقد لعب اليسار دوراً هاماً في فرض الضرائب التصاعدية على الأرباح في البلاد الرأسمالية الصناعية والتي وصلت في بعض الأحيان إلى 80% في السويد. فللنظر من نظارة القيم اليسارية لنرى من اليمين ومن اليسار في مجلس الشعب المصري أبان الخلاف على قانون الضرائب العقارية.

98% من المصريين – وفقاً لتقديرات وزارة المالية – غير معنيين بالقانون الجديد الذي لا يصيب العقارات التي تقل قيمتها السوقية عن نصف مليون جنيه. الفقراء ومتوسطي الحال إذن خارج اللعبة. القانون بالتالي يصيب الميسورين وذوي الثراء الفاحش. يعني يمكن لكل هوى يساري أن يأخذ راحته في تأييد القانون أو في معارضته طلباً لقانون أشد صرامة على الأثرياء. بالطبع السلطة التي تفرض الضرائب غير ديمقراطية ولا تنفق إيرادات الضرائب بالشكل الذي يساعد عملية التنمية ولا بالطريقة التي تدعم الفقراء. ولكن ما باليد حيلة. ليس في وسعنا سوى تأييد زيادة الضرائب على الأثرياء والعمل في نفس الوقت على تنمية الرقابة الشعبية على مصروفات الدولة لضمان إنفاقها وفقاً لاحتياجات المجتمع. والجميل أن زيادة حصيلة الضرائب تعد – في عرف علم الاقتصاد السياسي – أحد محفزات مطالبة الناس بحقوقهم الديمقراطية، لأن الإيرادات الكبيرة للضرائب ستحفز المواطنين على الضغط على الدولة لكي يكون لهم نصيب في خدماتها.

ماذا حدث في البرلمان؟ من كان على اليسار ومن كان على اليمين؟ اليسار الجذري (اللي بجد) كان غائباً تماماً عن “المجلس الموقر”. فقانون الضرائب العقارية القديم (رقم 56 لعام 1954) كان تصاعدياً وكانت أعلى نسبة له 44%. القانون الجديد الذي تقدمت بها الحكومة ليس تصاعدياً، فنسبة الضريبة للكل – العقارات الثرية والفاحشة الثراء – 14% من القيمة الإيجارية للعقار. لم يقف أحد على حد علمي ليطالب ببقاء النسبة القديمة أو بزيادة النسبة التي تقدمت بها الحكومة. ولكن وقفت الأغلبية الساحقة مع تخفيض النسبة. بالطبع النسبة القديمة للضريبة (44% من القيمة الإيجارية) لم تكن مطبقة بالفعل سواء بسبب تراخي مصلحة الضرائب العقارية أو بفضل الإعفاءات الهائلة التي قدمتها قوانين متعاقبة تعبر بلا شك عن جماعات مصالح لم تخجل من إعفاء شاليهات وقصور مارينا وغيرها من الضريبة. لقد بح صوت اليسار منذ الثمانينيات من المطالبة بفرض ضرائب على شاليهات الساحل الشمالي، ولكن لأن اليسار كان يؤذن في مالطة لم يتحقق ذلك إلا الاسبوع الماضي بعد أن جاعت الحكومة لإيرادات جديدة. المهم مبروك على تحقق أحد مطالبنا وإن كان بشكل مشوه. وإذا كان اليسار الجذري قد غاب عن المجلس فإن اليسار التجمعي كان حاضراً وقد تحفظ على القانون لاعتبارات يمينية كما لاعتبارت يسارية. فقد قال النائب عبد العزيز شعبان بأن فرض ضرائب على الوحدات غير المشغولة يمثل استنزافاً لرأس المال!! (الأهالي 18/6). ولكنه من ناحية أخرى عارض أن يفلت صاحب عدة عقارات من القانون لأن قيمة كل عقار على حدة لا تتجاوز نصف مليون جنيه.

هذا هو حال اليسار في البرلمان. فماذا كانت حالة اليمين المتطرف؟ في قمة تألقه. فنسبة الضريبة تم تنزيلها إلى 10% في مجلس الشعب وليس فقط إلى 14% كما نص مشروع القانون الذي تقدمت به وزارة المالية. وكان الحرس القديم في الحزب الوطني هم نجوم التنزيل كما كانوا نجوم رفع حد الإعفاء إلى نصف مليون جنيه بدلاً من ربع مليون كما أرادت وزارة المالية. أما اليمين المتطرف الذي يسيطر على مجلس الشعب فقد نجح في حذف المادة التي تعتبر التهرب من الضريبة جريمة مخلة بالشرف. فالتهرب من الضرائب بالنسبة لهم لا يمس شرف الانسان. أما اليمين المتطرف الأصولي (الأخوان) فقد حاول أن يعفي من الضريبة كل العقارات المسكونة مهما بلغت قيمتها. يعني مثلاً إعفاء المهندس نجيب ساويرس من دفع الضريبة عن العقار الذي يشغله مع أسرته الكريمة. لكن اقتراح الاخوان رُفض والحمد لله. لذلك كانت جماعة الإخوان هي التيار الذي رفض القانون بينما أيده الحزب الوطني وتحفظ عليه الوفد والتجمع. زملائي وأصدقائي، هل ما زلتم عند رأيكم بأن الرايات اختلطت؟ اليسار واضح واليمين واضح. فلنفتح أعيننا جيداً.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *