سوزان وجمال.. النساء والشباب

نشرت: ابريل 2008 – في البديل

قضية شباب “الفيس بوك” تعيد طرح قضية صراع الأجيال في السياسة. في هذه السطور يدعو سامر سليمان إلى القيام بطرح صريح وشجاع لعلاقة المعارضة التقدمية بالشباب والنساء. وهو يسأل لماذا يجب أن يلتحق معظم الشباب ومعظم النساء بتلك المعارضة وينصرفوا عن السلطة، سلطة الحكم أو سلطة جماعة الإخوان؟

تميزت السنوات الأخيرة بظهور السيدة سوزان مبارك والسيد جمال مبارك على الساحة باعتبارهما أطرافاً فاعلة في العملية السياسية. نحن لا ندرك حجم الحقيقة من الخيال في المسألة. نحن لا ندرك إلى أي مدى تلعب هاتان الشخصيتان أدوراً سياسية. فمن يظهر أمام الكاميرات لكي يتكلم أو لكي يقص الشريط ليس بالضرورة الأكثر نفاذاً وتحكماً. للدقة يجب أن نقول أن سوزان وجمال بالتأكيد يلعبان دوراً استثنائياً على المستوى الرمزي. سوزان تم تصعيدها كرمز للنساء المصريات. وجمال تم تصعيده كرمز للشباب المصري. بالطبع هما رموز غير مقبولة من قطاعات واسعة من النساء والشباب. ولكن المهم أن السلطة استطاعت أن تقدم تسوية لمشكلة مشاركة النساء والشباب داخلها على الأقل على المستوى الرمزي. وكانت التكفلة باهظة.. تحويل أسرة رئيس الجمهورية إلى “عيلة مالكة”، فيها “الملكة الأم” تمثل النساء و”ولي العهد” يمثل الشباب.

دفعت السلطة ثمناً باهظاً لكن العائد لم يكن سيئاً بالمرة. بصعود سوزان وابنها جمال استطاعت السلطة إدماج النساء والشباب فيها على المستوى الرمزي، ونجحت بذلك في إجهاض قيام المعارضة باستثمار السخط الذي تشعر به النساء والشباب بسبب المشاكل النوعية التي يتعرضان لها. فالنساء – معظمهن على الأقل – مكانهن الطبيعي في المعارضة. لأنهن بالفعل مستبعدين من مراكز صنع القرار والتحكم، كما أنهن يعانين من حملة من الهجوم المتزمت حملتهن وحدهن بالمهمة المقدسة لحفظ أخلاق الشعب من الانحلال، ولأنهن تحملن في السنوات الأخيرة معاملة غير محترمة لهن في المجال العام. أما الشباب فهو – معظمه على الأقل – مكانه الطبيعي في المعارضة، لأن الاستبداد يستخدم كل الأدوات المتاحة لمقاومة التغيير، وعلى رأسها أن الكبار الذين في السلطة هم وحدهم الذين يعرفون سر السلطة. وأن أي صغير يتقدم لكي يشغل موقع في السلطة (جمال مثلاً) يجب أن يكون على علاقة وثيقة بالكبار لكي يتشرب منهم الصنعة.

بتصعيد سوزان وجمال أصبحت السلطة ذات وجه تقدمي وحديث أكثر من المعارضة. من في المعارضة يعطي دوراً سياسياً لامرأة في مثل أهمية الدور الذي يمنحه مبارك لسوزان؟ من في المعارضة يعطي دوراً سياسياً لشاب في مثل حساسية الدور الذي يمنحه مبارك لجمال؟ جماعة الإخوان المسلمين سارت على الدرب وأكدت أنها أكثر جماعة سياسية دفعت المرأة للمشاركة في الانتخابات الأخيرة لأنها نجحت في تعبئة نساء الجماعة للتصويت لصالح رجال الجماعة. وهي سارت على الدرب أيضاً بإبراز وجوه “شبابية” في الجماعة من جيل السبعينيات (الشباب شباب القلب) مثل عبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان وخيرت الشاطر. لقد نجحت الجماعة بالفعل في كسب العديد من النساء والشباب, ويشهد على ذلك الانتشار الواسع للحجاب وللحية والزبيبة في أوساط الشباب.

بالمقارنة بالسلطة وبجماعة الإخوان لم تنجح المعارضة التقدمية الديمقراطية في كسر العزلة وفي اجتذاب قطاعات من النساء والشباب. الأمر الذي يفسره البعض بأن المعارضة العلمانية ذاتها قائمة على تهميش المرأة والشباب، وأنها معارضة لا تقل أبوية وذكورية وشيخوخة عن السلطة وعن جماعة الإخوان. هذا تفسير مريح لكنه مدمر. لأنه يضع المسألة على بند الأخلاق الفاسدة للمعارضة والمعارضين الذين يرفعون شعارات ويمارسون عكسها. بالطبع المعارضين فيهم منافقين، لكن السؤال هو لماذا؟ لماذا سيطر المنافقون على تيارات المعارضة الديمقراطية؟ الأسباب كثيرة لكن المهم الأن هو كيف الخروج من هذا المأزق. كيف يمكن تفكيك الطابع الذكوري والأبوي للمعارضة؟

نقطة البداية هي البوح، هي المصراحة. هي الكلام الجد في موضوع ممارسة السياسة على أرضية جنسية، على أرضية الرجولة والانوثة. في مؤتمر أخير حضرته، سخن أحد الخطباء وعلا صوته وتحشرج وقال “مصر ما فيهاش رجالة”. كان ما قاله مثيراً للرثاء، ولكنه على الأقل باح بما في قلبه. مشكلة السياسة في مصر وفقاً له هي مشكلة جنسية، هي ضعف في الذكورة، أي ضعف في ذكورة الذكور الذين يسيطرون على السياسة في مصر. وهذا الكلام يجب التوقف عنده كثيراً. فلنتصارح.. فلنتعرف أننا نمارس السياسة أحيانا ليس بوصفنا مواطنين ولكن بوصفنا رجالاً ونساءً. الاعتراف بالأمر الواقع يفتح الباب لترشيده وتغييره. الأمر نفسه ينطبق على قضية الأجيال. نحن نمارس السياسية ليس فقط كمواطنين أو بني أدمين، ولكننا نمارسها كشباب وككهول وكشيوخ. فلنعترف بذلك. فلنعترف أن السن يتم توظيفه في الصراع السياسي. فلنعترف أن بعض الشيوخ يأخذوا أكثر من حقوقهم لا لشيء إلا لأنهم شيوخ، ولنعترف أن بعض الشباب يحاول انتزاع مواقع لا لشيء إلا لأنهم شباب.

إن طرح قضية الجنس والأجيال في السياسية سيلقى مقاومة بالطبع. بالضبط كما أن طرح القضية الطائفية يلقى مقاومة ضروس بحجة أنها تفتت المعارضة للاستبداد. لكن لا مفر من ذلك. المعارضة التقدمية لا تملك رفاهية اللف والدوران حول القضية. وبما أنها لا تملك تصعيد نساء إلى منصب “سيدة مصر الأولى” كما لا تملك تصعيد شباب إلى موقع “أمين السياسات” فهي ليس بوسعها سوى أن تقدم للشباب والنساء طرحاً مباشراً وصريحاً لمشاكلهم النوعية. أيها المعارضون التقدميون العلمانيون الديمقراطيون.. من فضلكم قولوا لنا. لماذا يجب أن ينحاز لكم الشباب والنساء؟ ولماذا يجب أن ينصرفوا عن السلطة وعن جماعة الإخوان؟ هل من إجابة؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *