مأزق الدولة في لبنان

نشرت: مارس 2005 – في الأهرام

لن يختلف الكثيرون على أن حزب الله من أرقى التيارات الأصولية في المنطقة. ورقيه يتأتى ليس فقط من نزعة الفداء التي ميزت مقاتليه ولكن أيضاً من قدرته على الإنجاز. لقد استطاع أن يقاتل إسرائيل بضراوة وبمهارة. لهذا يحظى حزب الله بكل هذا الحب والتقدير في لبنان بل وفي العالم العربي والإسلامي كله. إنجاز حزب الله الأساسي كان في ساحات القتال. فهو حزب من نوع خاص. حزب ارتضت الدولة بجيشها أن تترك له مهمة قتال الإسرائيليين في الجنوب. وهذه الخصوصية تنبع من الظروف الخاصة جداً التي نشأ فيها حزب الله. فلبنان يتميز بضعف الدولة أمام العديد من الأطراف في المجتمع وعلى رأسها بالطبع الطوائف. وبهذا المعنى فإن لبنان كان دائماً حالة استثنائية في الدول العربية. لم نعرف دولة عربية أخرى تركت لحزب من خارجها مهمة قتال عدو خارجي. يعرف ماكس فيبر الدولة بأنها ذلك الجهاز الذي يحتكر العنف الشرعي في المجتمع، أي أنه الجهة الوحيدة التي تستخدم القوة ضد جهات أو أفراد بمقتضى شرعية قانونية. وبهذا التعريف يصبح من الصعب الحديث عن وجود دولة طبيعية في لبنان.

ولكن بتحرير الجنوب اللبناني في عام 2000 دخلت الدولة اللبنانية في مأزق. لقد تركت لحزب الله حرية حمل السلاح بالرغم من انتقاص ذلك لسيادتها لأن هناك ما كان يبرر ذلك.. الاحتلال الإسرائيلي للجنوب. ولكن الآن يصبح الحديث عن فرض سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها محض شعارات إذا لم يرتبط ذلك بفرض سيطرتها على كامل التراب اللبناني، وبتواجد قواتها على الحدود الدولية للبلاد، خاصة تلك الحدود مع إسرائيل. ذلك يتطلب بالطبع تحول حزب الله من جيش مقاتل إلى حزب سياسي. ولكن مشكلة حزب الله أنه نشأ في ظروف الحرب الاستثنائية وأن إنجازاته الأساسية كانت في ساحات القتال. تحول طبيعة هذا الحزب ليس بالأمر الهين إذن. ربما يفسر ذلك جزئياً مقاومة حزب الله لفكرة أن لبنان دخل مرحلة جديدة في عام 2000 بعد تحرير الجنوب.

حزب الله يقوم على طائفة الشيعة التي يصل تعدادها إلى حوالي نصف الشعب اللبناني. تتميز هذه الطائفة تاريخيا بتواضع النصيب الذي تحصل عليه من الدخل القومي اللبناني. ولهذه الاعتبارات فيمكن القول – على الأقل نظرياً – أن الشيعة هم الفئة الأكثر مصلحة في تفكيك النظام الطائفي. فإعادة توزيع الدخل لا تتم بسهولة بين الطوائف، ولكن بين الطبقات الاجتماعية. مشكلة حزب الله إذن تتمثل في أنه حزب طائفي في وقت تكون فيه المصلحة طويلة الأجل للطائفة التي يقوم عليها هي تفكيك الطائفية. لقد عانى فقراء الشيعة طويلاً في لبنان. لقد خدموا في جيوش عديدة، الوطني منها والعميل، أي حزب الله من ناحية وجيش جنوب لبنان من ناحية أخرى. هل آن الأوان لكي يمارسوا حياة عادية وطبيعية؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *