مع الإخوان ذلك أفضل جداً؟.. رداً على مقال إبراهيم عيسى

لأستاذ إبراهيم عيسي،
تقولون في مقالكم المنشور بالدستور يوم 10 يونيو بعنوان “ذلك أفضل جداً” أن الأقباط لهم مطالب، وهي إلغاء الخط الهمايوني وحق بناء الكنائس وتولي الأقباط مناصب في الشرطة والقضاء، وإلغاء جميع أشكال التمييز الطائفي، كما تقولون أن هذه المطالب “حقيقية وواقعية”. ولكنكم لا تقولون أنها شرعية. فهل لنا أن نسألك عن رأيك في مدى شرعيتها.

وتقولون أن الأقباط يتحدثون عن مشاكلهم بطريقة قبطية، يعني بصوت “واطي”. أعتقد أنكم لا تقصدون درجة الصوت، لأن درجة الصوت مناسبة لمن يريد أن يسمع. أنتم تقصدون “طبقة” صوت الأقباط والذي تقولون عنه أنه من النوع “الواطي” وأنه “مهادن ومليان لف ودوران وإحساس أنها منح من الدولة والرئيس وليس حقوقاً”. هل لي أن أسأل عن بعض أمثلة من هذا الصوت “الواطي” الذي يسلم بأن الأقباط ليس لهم حقوق ولكن لهم منح (“المنحة يا ريس”). هذا ليس الخطاب السائد لدى الأقباط. حتى موظفي الدولة من الأقباط لا يقولون هذا.

الأقباط – وفقاً لمقالتكم – يمارسون ما تمارسه الأقليات من نفاق للدولة، وتمسح بالرئيس. يعني ما يمارسه الأقباط هو شيء مفهوم باعتبارهم أقلية. والحقيقة أن لديكم حق، الأقليات دائما في موقف ضعف أمام نظام الحكم. فالأقليات أقليات، هي لا تنتمي لدين الأغلبية، لذلك أفرادها معرضين في بعض اللحظات لاستخدام نقطة الضعف هذه ضدهم من قبل أفراد وجماعات أشرار يعملون بمنطق “اللي تكسب به العب به”.

وإذا كنت أشارككم في النظر من عل لكل من ينافق نظام الحكم، فإني لا أشارككم في النظر من عل لمن ينافق الدولة. الأفراد يحتاجون للدولة.. دولة القانون. عندما يتحول المجتمع إلى غابة يأكل فيها القوي جسمانيا الأضعف منه هنا تكون الدولة حلم لكل المظلومين. إذا لم يبحث الأقباط عن الخلاص في الدولة، فأين يبحثون عنه؟ الحقيقة أننا يجب أن نحمد الله على أن هؤلاء الناس لازالوا يراهنون على دولة، بعض الماسكين للسلطات فيها يرون أن تطهير الدولة من “نجاسة” الأقباط هي مهمة مقدسة تهون في سبيلها كل التضحيات. المظلوم يحتاج للدولة.. دولة القانون. لكن الدولة لا تتحرك إلا بأمر من المجموعة السياسية التي تسيطر عليها. وهذه المجموعة تطالب بثمن سياسي فادح من المظلوم لكي يأخذ جانب يسير من حقوقه من الدولة وفي الدولة. لهذا تدفع الكنسية أثماناً سياسية باهظة باعتبارها الجهة التي أعطيت الحق التحدث باسم المسيحيين.

البديل للبحث عن الخلاص في الدولة هو البحث عنه لدي أطراف سياسية في المجتمع. وأنتم في مقالتكم ذكرتم الإخوان والعلمانيين، وقلتم أن العلمانيين الأقباط مجانين مثل العلمانيين المسلمين، “فاكرين أنه يمكن استبعاد الدين في المجتمع المصري”، يعني طرف لا يمكن الرهان عليه. والحقيقة أن العلمانيين الذين أعرفهم لا يطالبون باستبعاد الدين من المجتمع ولا يريدون ذلك ولا يشغلهم ذلك. ما يشغلهم ويثير ضيقهم ليس وجود الدين في المجتمع، ولكن وجود ممارسات سياسية سيئة تتخفي وراء شرعية دينية.

إذن العلمانيون – وفقاً لكم – لا يمثلون شيئاً في المعادلة السياسية المصرية. حسناً. بلاش علمانيين. ماذا تعرضون على الأقباط ؟ أن يفاوضوا الإخوان؟ جميل لكن من سيتفاوض مع الإخوان باسم المسيحيين؟ أنت تقول عن الكنسية أنها ارتمت في حضن الدولة. من إذن سيتفاوض مع الإخوان؟ وإذا افترضنا أن هناك شخصيات قبطية راغبة في التفاوض مع الإخوان، ماذا سيقدم لهم هؤلاء بحيث يصبح التفاوض مع الإخوان محل رضاء جماعات من الأقباط. الإخوان ما زالوا يراوحون بين الخسف بمواطنة القبطي (كما قال المرشد المرحوم مصطفي مشهور أنهم لا يجب أن يدخلوا الجيش، وكما تقول فتاوى عبد الله الخطيب مفتي الجماعة) وبين الإبقاء على وضعهم بدون خسف، كما تقول بعض تصريحات المتبسمين من الإخوان. يعني مفيش مكسب خالص، يعني مفيش تحسين لوضع مزري. إذا كان الإخوان لديهم مشروع لتحسين وضع الأقباط المزري فليعلنوا عنه فوراً. ثورة الاستقلال في 1919 قدمت للأقباط “الدين لله والوطن للجميع” فماذا تقدم “ثورة” الإخوان للأقباط؟

يبدو لي أن أقصى ما يقدمه الإخوان الآن هو التعهد بالإبقاء على الوضع القائم المزري ومحاولة ضبط الانفلات الذي يحدث في معسكر الفاشيين الذين يريدون العودة بوضع المسيحيين إلى العصور الوسطى. لكن هل لدى الإخوان القدرة على ضبط هؤلاء؟ الأحداث الطائفية الأخيرة تقول أن الإخوان لم يستطيعوا ذلك أو لم يتحركوا لحماية الأقباط من الفاشيين.

أما كلامك عن العلمانيين المجانين فاسمح لي أنه يكشف إلى أي مدى أنت لا تؤمن بأن المجتمعات تتغير والسياسة تتغير. أنت تتهم الشعب المصري بالسلبية بالخضوع وبأنه من “قوم لوط” كما قلت في أول مقالة لك في العدد اليومي للدستور لأنه لا يريد المغامرة ودفع ثمن الحرية. وأنت الآن تقول أن العلمانية جنون، مع أنها الصيغة التي ارتضتها كل المجتمعات المتحضرة بدرجات مختلفة وبصياغات مختلفة. على مصر أن تصوغ علمانيتها المصرية. أعرف أن مصطلح العلمانية تم تلويثه على يد التيار الإسلامي، لكن بغض النظر عن المصطلحات هناك حاجة في مصر لترشيد علاقة السياسة بالدين، تلك العلاقة المريضة، والمضرة بالدين وبالسياسة معاً.

العلمانية تجتذب مسيحيين أكثر فأكثر وهذا شيء طبيعي لأن أكثر الناس معاناة من غياب العلمانية هم أفراد من الأقليات، لذلك هناك حالة قلق في أوساط الحركة الإسلامية. لأن تبني المسيحيين للعلمانية يقوي منها ويقوي من الأطراف السياسية المناوئة للتيار الإسلامي مثل اليساريين واللبراليين. والتيار الإسلامي لا يحب التفاوض مع أطراف علمانية. هو يريد أطراف طائفية مثله، هو يحتاج لإخوان مسيحيين لكي يتفاوض معهم. جميل. لكن تنظيم الإخوان المسيحيين الوحيد الموجود على الساحة هي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة مترددة في التفاوض مع الإخوان خوفاً من غضب نظام الحكم. هذه هي معضلة التيار الإسلامي. هو محتاج لأن يتفاوض مع طرف “قبطي” لكنه لا يجد من يفاوضه باسم الأقباط. وهذا ما يجعلني أخالفك التقدير بأن العلمانية هي جنون. نحن في معادلة رياضية مستحيل حلها إلا بأطراف علمانية. لذلك لا يساورني أي شك في أننا سنصل في المستقبل إلى صيغة علمانية مصرية.

إذا كان البعض يريد تسوية للقضية الطائفية فأهلاً بالتسوية. فهذه القضية زكمت رائحتها النتنة أنوف الأحرار والبني أدمين في هذا البلد. لكن قولوا لنا كيف؟ الصوت القبطي الذي يصفه الأستاذ إبراهيم عيسي بالواطي هو صوت لا يريد أقل من المساواة، حتى ولو قال ذلك على استحياء في بعض الأحيان وبعصبية وتشنج في أحيان أخرى. والمقدم للأقباط والأقليات من نظام الحكم ومن التيار الإسلامي ليس المساواة.
ما الحل إذن؟ الحل هو الصبر والعمل. الصبر على الشدائد, والعمل على بناء مشروع وطني ديمقراطي تحرري عادل قائم على المساواة والاستحقاق يتسع لكل من يريد ذلك من المصريين. هذا هو التغيير الذي أفهمه. ما عدا ذلك هو بقاء الوضع القائم مع الإدعاء أن هناك تغيير للأحسن.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *