مغزى تولي خبير في السياسة وفي الحرب إدارة البنك الدولي

ما علاقة بول ولفوويتز، الرئيس الجديد للبنك الدولي بمسألة التنمية الاقتصادية ومكافحة الفقر التي يعلن البنك تخصصه فيها؟ الشخص المذكور كان يعمل في البدء أستاذاً للعلوم السياسية، ثم انتقل بعد ذلك للعمل السياسي المباشر من خلال اشتغاله بوزارة الخارجية الأمريكية، ثم انتهى أخيراً في وزارة الدفاع كنائب لوزيرها. وهو بذلك لم يسبق له قط العمل بأي مجال اقتصادي. وهذا ما يجعله جديداً على منصب رئيس البنك الذي تولاه غالباً خبراء اقتصاديين.

كيف لخبير يفقه في السياسة والحرب فقط أن يتولي رئاسة البنك الدولي؟ أليس من الطبيعي أن يتولاه خبير في الاقتصاد؟ هذا ما أشارت إليه العديد من ردود الأفعال المندهشة خاصة في أوروبا. ولكن ربما يقول لهم ولفوويتز في قرارة نفسه: “وما علاقة الاقتصاديين بقضية الفقر التي تشغلنا الآن؟” الحقيقة أن قضية الفقر أصبحت قضية سياسية بالأساس منذ أن أشارت أصابع الاتهام في حادث 11 سبتمبر إلى فقراء ومحبطين العرب باعتبارهم المتهم الأول في الحادث. الاتهام بالطبع ليس اتهاماً جنائياً مباشراً، لأن أعضاء تنظيم القاعدة الذين نفذوا عملية نيويورك لم يعرف عنهم أنهم فقراء. الاتهام هو اتهام تحليلي، لم تقم به جهات أمنية بل قامت به جهات سياسية إيديولوجية. وعلى هذا فإن التهمة ستظل إلى الأبد بدون دليل قاطع. لأن تقبلك لها يتوقف على قناعتك الفكرية بمدى مسئولية الفقر عن صناعة العنف الدموي ضد المدنيين.

وهل كان البنك الدولي بعيداً قط عن السياسة؟ ألم يكن متورطاً فيها حتى الآذان عندما كان يعامل الدول الصديقة للولايات المتحدة معاملة مختلفة عن خصومها؟ وهذا ما يؤرق كثيراً خبراء البنك الدولي ذوي الخلفيات الاقتصادية. فهم تعلموا في جامعاتهم النماذج الاقتصادية المعقدة وأمنوا بالحرية الاقتصادية كطريق لتنمية ورفاه المجتمعات. ولكنهم عندما يحاولون تطبيق ما تعلموه فإنهم يصطدمون غالباً بالسياسيين الذين يمسكون بدفة القرارات في العالم، والذين تشغلهم لعبة المصالح السياسية عن تطبيق نظريات اقتصادية مركبة. لهذا فإن تولي خبير السياسة والحرب ولفوويتز مسئولية البنك الدولي يحرر هذا المنصب من التناقض الذي كان يعيشه أسلافه من الرؤساء السابقين. لن يخون ولفوويتز ضميره العلمي ويضحي به على مذبح السياسيين المحترفين. لأن ضميره العلمي ليس اقتصادياً، بل هو ضمير سياسي وعسكري. وهو بذلك يتماهي مع نفسه ومع تخصصه بالكامل حينما يقوم بقيادة أهم مؤسسة اقتصادية دولية في لحظة تكون للسياسة وللاستراتيجيا بل وللايدولوجيا الكلمة الأولى في تحديد سياسيات الولايات المتحدة الخارجية.

ليس من السهل معرفة الشكل الذي سيصبح عليه البنك الدولي بعد عدة سنوات تحت قيادة ولفوويتز. هنا يجب إطلاق العنان للخيال. لأن المنطق الذي يعمل به هذا الشخص هو معكوس منطق رؤساء البنك السابقين. هؤلاء كانوا ينطلقون من المنطق الاقتصادي ثم يتعاملون مع السياسة باعتبارها قدراً يجب التصالح معه، إذا كانوا يريدون الاستمرار في مناصبهم. لكن ولفوويتز يبدأ من السياسة ويحاول أن يوظف الاقتصاد لخدمة أهداف سياسية. وبهذا المعنى يصبح الحديث المعاد عن البنك الدولي “كأداة لنهب شعوب العالم الثالث”، أي كأداة لتحقيق مكاسب اقتصادية للدول الغنية هو حديث مضلل، وهو أقرب للخيال منه للواقع. القضية لا تكمن في فتح بعض أسواق الدول البائسة والفقيرة. الأمر يتعلق بمصالح سياسية واستراتيجية من النوع الكبير.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *