هل مصر مقبلة على حرب أهلية فعلاً حتى نقبل برئيس عسكري؟

تفتكر جمال مبارك هيوصل للسلطة؟ لا لأن الجيش لن يقبل بذلك. كم مرة عزيزي القاريء سمعت هذا الحوار؟ هكذا كلف بعض المثقفين الجيش المصري بأن يحل معضلة اختيار رأس جديد لنظام الحكم. الجيش في مصر كما في كل بلاد العالم وظيفته الأساسية هي حماية البلاد من العدوان الخارجي. وتحت خارجي ضع مليون خط. الجيش لا يحمي الداخل إلا إذا كان هناك حدث جلل يتهدد هذا الداخل. توريث الحكم ليس بالحدث الجلل. هل عرفنا في تاريخنا إلا توريث الحكم؟ من الملك الأب إلى الملك الابن، ومن القائد المغوار إلى تابعه الأمين؟ إلى الذين يصرخون طلباً لنجدة الجيش لإجهاض سيناريو توريث جمال مبارك أتوجه بهذا السؤال.. عمركم في حياتكم اخترتوا القائد بتاعكم؟ القائد الوحيد الذي اختاره الشعب المصري كان سعد زغلول ومصطفي النحاس، ولكن الشعب لم يستطع أبداً فرض هذا ولا ذاك إلا على رأس حكومة ضعيفة تعمل في ظل احتلال أجنبي وملك مستبد بقوة الدستور أو بالخروج عليه. يعني من الأخر كده احنا طوال عمرنا محكومين بناس لم نخترهم. طب إيه بقى حكاية التوريث الذي لابد أن تجند لهزيمته كل الطاقات، حتى طاقة الجيش التي من المفترض أن تكون مختزنة لأغراض الدفاع الوطني؟ ولماذ توريث الرئيس الأب للإبن أسوأ من توريث الرئيس القائد لتابعه الأمين؟ أليس المطالبون بتدخل الجيش اليوم هم الذين يتهمون السادات بالخيانة؟ إذا كان ذلك هو اختيار جمال عبد الناصر، فمن سيقع عليه اختيار حسني مبارك؟

موضوع جمال مبارك وطموحه إلى السلطة ليس الحجة الوحيدة للمطالبين برئيس عسكري. حجتهم الأهم هي أن البلاد تمر بظرف استثنائي. الأصل في جيوش الدول أن تكون متقدمة على حدود البلاد لكي تحميها من العدوان. لكن يجوز أن تعود الجيوش إلى الخلف در أحيانا في أحوال استثنائيةً. إما في حالة كوارث طبيعية مثل فياضانات وزلازل لكي تساند مؤسسات الدولة المدنية، وإما لفض حرب أهلية وقعت أو أوشكت على الوقوع بين أطراف مدنية. المطالبين بحكم عسكري سافر يلعبون على فكرة الكوارث وخطر الحرب الأهلية لكي يسوقونا إلى هدفهم. في هذه المقالة سنتعرض لفكرة أن مصر يتهددها خطر الحرب الأهلية، وفي مقالة قادمة سنتناول فكرة الكوارث الاستثنائية التي تصيب البلاد.

الحديث عن خطر حرب أهلية لا يستقيم إلا بتحديد الأطراف المرشحة لخوض تلك الحرب. من هي المجموعات المنظمة في مصر التي تريد الدخول في صراعات عنيفة بالاجساد أو بالسلاح؟ سجل العنف السياسي في الخمسين سنة الأخيرة لا يشير إلا إلى مجموعات سياسية تعمل تحت شعارات دينية اسلامية. ولكن تلك المجموعات نالت هزيمة ساحقة على يد أجهزة الدولة الامنية، وتفككت من داخلها تحت وطأة اكتشاف الواقع المعقد الذي اصطدمت به العقيدة السياسية المطلقة المحلقة في السماء بعيداً عن حقائق الاقتصاد والسياسة والاجتماع. نعم تظل هناك طاقة عنيفة كامنة في التيار الاسلامي ويظل هناك تنظيم كبير ومتماسك هو تنظيم الاخوان المسلمين. لكن هذا التنظيم لن يقع أبداً في إلقاء نفسه في أتون مواجهة شاملة مع نظام الحكم. الاخوان في مصر كما في غيرها (السوادن مثلاً) تحالفوا مع العسكر. لكن في كل مرة تلوح أفق مواجهة حاسمة معهم حول القيادة، كانوا يخسرون. أنظروا إلى مصير حسن الترابي في السودان على سبيل المثال. الحركة الاخوانية الوحيدة التي وصلت إلى السلطة بسلاحها هي بدون تحالف مع الجيش هي حماس في فلسطين، لأن فلسطين ببساطة ليس لها جيش نظامي، وإنما حركات تحرر مسلحة.

من الصعب تخيل دخول الإخوان المسلمين في صراع شامل وعنيف على السلطة. الإخوان هم جزء من تيار اسلامي أوسع منه. الحقيقة أن صراع نظام الحكم مع الاسلام السياسي قد أسفر عن تسوية بين الاثنين، بمقتضاها يمتنع هذا التيار عن الطموح في قمة السلطة، مقابل أن تطلق السلطة يده لكي يفرض قانونه الخاص على المجال العام خاصة الديني منه حتى ولو كانت قوانين التيار الاسلامي مخالفة للقوانين المدنية الشرعية. لكن هذه التسوية فيها خروقات سواء من جانب بعض أجنحة التيار الاسلامي أو من جانب السلطة. فجناح الإخوان ينافس بالفعل على مواقع سياسية، سواء في النقابات أو في المجالس النيابية أو غيرها. ونظام الحكم لم يستكمل أسلمة المجال العام أو لم يسمح للتيار الاسلامي بفرض قوانينه بشكل شامل، بل أن هذا النظام يعطي لخصوم التيار الاسلامي بعض المساحات لكي يشنوا منها حملات عليه، كما يضيق فعلاً على بعض نشاط تيار الاسلام السياسي في المجال الديني. لكن هذه الخروقات لم تنه حالة التعايش بين نظام الحكم والتيار الاسلامي حتى لو شهدنا بشكل دوري اعتقالات من جانب النظام وحملات كراهية وتحريض من جانب التيار الاسلامي. الشد والجذب بين نظام الحكم والتيار الاسلامي ما هو إلا عملية إعادة تفاوض يومية على شروط التسوية والتعايش.

باختصار التيار الاسلامي في مصر (بحالته الراهنة) لن يدخل في مواجهة مسلحة. وأسوأ ما يمكن أن تطمح إليه أجنحته الطامعة في السلطة هو رعاية إنقلاب عسكري أو المشاركة فيه. ولكن خطر الانقلاب لا يواجه إلا بالتمسك بالديمقراطية الشاملة والحقيقية، وليس بالدعوة لإنقلاب أخر. فإذا كان أكبر وأقوى تيار سياسي في مصر لن يدخل في حرب أهلية، فمن في مصر سيدخل في هذه الحرب؟ وإذا كان خطر الحرب الأهلية على مصر بعيد جداً فلماذا يصرخ بعضنا طلباً لمزيد من تدخل الجيش في السياسة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *