إلى رفاق البديل الجديد

هذه المقالة الاحتفائية بولادة جريدة البديل سلمتها إلى الزميلة هدي غالي – التي كانت مسئولة عن صفحة الرأي – في شهر يوليو الماضي لكي تنزل في العدد الأول للجريدة. لكن بعد عدة أيام طلبت منها أن توقف نشرها، بعد أن قرأت بعيني في عدد تجريبي للبديل ما لم أكن أحب أبداً أن أراه، وما أثار خوفي من أن تكون الجريدة تسير على خطى الصحف الصفراء. لذلك رأيت أنه من الأفضل أن أتريث واتخلى عن اندفاعي الرومانسي في حب البديل حتى لا أقع على “جذور رقبتي”. الآن.. وبعد أن قاربت البديل على إكمال شهرها الثالث أتخلى عن حذري وأفرج عن هذه المقالة بعد أن تأكدت أن الجريدة الوليدة – رغم كل ما بها من عيوب – تحتوى على ما يمكن الرهان عليه. فلتكن هذه المقالة دعوة ورجاء أن تفتح الجريدة الوليدة صفحاتها لحوار وجدل عن نفسها، عما لها وما عليها. فالبنقد والنقد الذاتي يتقدم العمل.

وانطلقت جريدة “البديل” على يد فريق العمل الذي تولى مسئولية العمل اليومي في الجريدة منذ عدة أشهر. كل التمنيات لهم ولنا بأن تكون “البديل” أفضل صحيفة في مصر. كانت حلم لأكثر من سبعين مؤسس هم أعضاء الجمعية العمومية لشركة التقدم التي تصدر المطبوعة الجديدة. اختلفوا على أشياء كثيرة ولكنهم اتفقوا على أنهم يحلمون بقراءة جريدة مختلفة، جريدة بديلة. إن تدهور الصحافة في السنوات العقود الأخيرة جعل من قراءة الصحف مهمة شاقة.. قليل من الفائدة وأقل القليل من المتعة. لقد انصرف معظم المصريين عن الصحف، وأصبحوا يصفون كلام “الهمبكة” بأنه كلام جرائد. ظل القليلون على ولائهم لفكرة الجريدة وعلى المواظبة على شراء الصحف التي يبدءون بها صباحهم، أو ينهوا بها يوم طويل وشاق. بعضهم كان يصارع مع نفسه لقراءة صحف متوسطة المستوى.. لعلها تحتوي على خبر هام هنا أو هناك يمر من رقابة إدارات الصحف، تحقيق هنا أو هناك يحيط بملابسات قضية ما، مقالة هنا أو هناك تطرح أفكاراً جديرة بالتأمل.

والبعض الأخر لم يعاني في ولائه للجرائد لأنها كانت تعطيه مخدراً يسكن به ألام اليوم. وتسكين الألم مشروع إذا لم يؤد بالقارئ إلى الانسحاب والاغتراب عن نفسه وعن محيطه. ولكن الصحف المصرية تمادت في المسكنات، ودخلت إلى عالم المخدرات.. مخدرات الحكومة أو مخدرات “المعارضة” أو كوكتيل منهما معاً.. فالفارق بينهما ليس كبيراً.

اتفق مؤسسو شركة “التقدم” مالكة “البديل” على أن الواقع المصري يحتاج لجريدة بديلة. جريدة منبهة وليست مخدرة. وكان نجاح ” صحيفة المصري اليوم” دليلاُ إضافيا لهم على أن صحف المنبهات لها جمهور، ما عليها إلا أن تصل إليه. هكذا شرعوا في تأسيس جريدة تقوم على متابعة ما يحدث بأقصى قدر من الأمانة والموضوعية. ولكنهم في غفلة من أنفسهم أضافوا للجريدة الجديدة مهمة شاقة.. تنشيط الأمل لدى الناس بمحاولة تسليط الضوء على البدائل المتاحة القادرة على تحسين حياتهم الاجتماعية والسياسية. ولولا الواقعية اللعينة لكانوا قد أضافوا للجريدة أيضاً مهمة تغيير مصر والعالم العربي. ألم يختاروا لشركتهم اسم “التقدم”؟

“البديل” تتصدى لمهمة كبيرة.. أن تقدم للقارئ ليس فقط ما يحدث على أرض الواقع، ولكن أيضاً البديل لما يحدث. ولكن ليس أي بديل.. بديل واقعي يقف على أرض صلبة من المعرفة بما يجري، ويستنبط البدائل من رحم الواقع نفسه. “البديل” وضعت على عاتقها عبء تقديم عدة خدمات صحفية في ذات الوقت. ما هو كائن وما يجب أن يكون.. ما يحدث وما لابد له ألا يحدث أبداً. لقد وضعت على عاتقها أن تكون جريدة الحدث في واقع تم دفعه دفعاً لكي ينصرف إلى حاله ولا يهتم بمعرفة ما يحدث. أهي صدفة أن الصفحة الوحيدة التي تحتكر كلمة الحدث في الجرائد المصرية هي صفحة “الحوادث”؟ الحوادث في صحافة بلدنا هي إذن المصائب. لقد تم تدمير كلمة الحدث في اللغة العربية/المصرية، حتى أن الصحفي النابه لا يستخدم إلا كلمة “الاكتواليتيه” الفرنسية للتعبير عن معنى الحدث.

“البديل” التي أحلم بها كقارئ ستكتب إلي النشطاء السياسييين لكي تروي لهم انتصاراتهم وهزائمهم، وستكتب إلى الشغالين لكي تسلط الضوء على ثمرات عملهم، ولكي تحصي الثمرات التي التهمتها منهم أفواه الجشع. البديل ستتبع المستغلين والفاسدين لتحصي لهم أموالهم غير المشروعة وستلاحق المتسلطين لكي تكشف عوراتهم وضآلة حجمهم وضعف نفوسهم التي تجعلهم يتلذذون بإيذاء الناس. البديل التي أحلم بها ستكتب إلى عشاق الحياة لكي تنقل لهم الجديد في فن الحياة كما تنقل لهم خبرات بعضهم البعض في الحياة الكريمة والممتعة.

“البديل” فكرة نبيلة تنزل في واقع صعب. هي مشروع غير هادف للربح، ولكن هادف بالتأكيد لعدم الخسارة. هي عليها أن تقيم حسابات باردة للربح والخسارة. ولكن ربما سيكون عليها أن تتذكر دائماً أن أصدقائها وقرائها هم جزء من رأس مالها. بالضبط مثل صحفييها ومعداتها، هم الطرف الذي سيرجح الجانب الدائن في ميزانيتها. البديل مدينة لمن ساهموا في بنائها بالعرق أو بالمال.. ولكي تنجح أن يجب أن توسع دائرة الاقتراض من قرائها ومن أصدقائها. البديل ستقترض من أصدقائها خبراً أو فكرة مفيدة أو نقداً بناءً، وستسدد هذا القرض بأن تكون طليعة صحافة جديدة مهنية، حرة ومقاتلة.

البديل لما يحدث ليس موجوداً في أذهان العاملين بجريدة “البديل”. البديل موجود لدى جمهور “البديل”، لدى قراء الجريدة. هؤلاء هم الذي سيقدمون لها ذخيرتها من المعلومات والأفكار الجديدة. هؤلاء هم الذين سيذكرونها بالخير لزملائهم وأصدقائهم عندما تستحق ذلك. وهؤلاء هم الذين سيسألون عنها بشكل مستمر وملح لدى باعة الصحف. فلنتعاهد ألا نبخل على البديل بالمعلومات والأفكار، حتى ولو لم تجد كل هذه المعلومات والأفكار طريقها للنشر. فلنتعاهد ألا نبخل على البديل بالنقد الصريح والبناء. في مصر الآن جريدة جديدة تقول أنها مساحة حرة ليس فقط للكتابة عن مصر التي نعرفها، ولكن أيضاً عن مصر التي نحلم بها. فليتعاهد كل الواقعيين/الحالمين ألا يبخلوا على “البديل” وعلى فريق العمل بها بكل الدعم المتاح. كل التمنيات بالنجاح الباهر لرفاق البديل الجديد. كل التمنيات بأن يظهر منهم أسامي وقامات جديدة كبيرة في عالم الصحافة والكتابة. ألف مبروك أيها الرفاق.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *