التيار الديمقراطي والمنافسة على كرسي الرئاسة

إلى كل الحالمين بأن يحتل كرسي الرئاسة في مصر رئيس جديد كفء، ومحترم وديمقراطي. أين نحن الآن من هذا الحلم؟ أظن أننا في حالة ارتباك وتخبط. فبعضنا يرى أن س من الناس مؤهل لشغل منصب الرئيس، أو على الأقل هو أفضل الموجود على الساحة. والبعض الأخر يرى أن ص ليس سيئاً. والبعض الثالث يرى أنه لا س ولا ص ولا ع يصلح، وأن أمامنا سنوات طويلة قبل أن تظهر على الساحة شخصية مصرية من المعارضة مؤهلة وقادرة على شغل منصب رئيس الجمهورية. الخلاف في الرأي لا يقتصر فقط على ما سبق ذكره. فحتى في صفوف معسكر الداعمين لـ س من الناس (أقصد معسكر الدكتور محمد البرادعي) هناك خلاف حول ما يجب عمله لكي يصل س إلى كرسي الرئاسة.

هل يجب عليه الدخول في المنافسة الانتخابية بشروطها الحالية الظالمة مع محاولة تصحيح هذه الشروط من خلال بناء حركة شعبية ضاغطة على المجموعة الحاكمة؟ أم عليه مقاطعة المهزلة الانتخابية كلها لكشف زيفها أمام الشعب وأمام العالم أجمع؟

وبين المتفقين على ضرورة دخول الدكتور البرادعي المنافسة هناك خلاف حول كيفية دخوله الانتخابات. هل من خلال الانضمام لحزب قائم؟ أم من خلال محاولة جمع التوقيعات اللازمة لترشحه كمستقل؟ وهل يمكن العمل من خلال الأحزاب القائمة؟ أم الأفضل العمل من خلال المجموعات والشبكات الفضفاضة؟ وبين المتفقين على ضرورة المقاطعة والإصرار على تعديل قواعد الانتخابات وشروط الترشح قبل الدخول فيها هناك خلاف على كيفية العمل من أجل تعديل القواعد.. هل من خلال التركيز على جمع التوقيعات على بيان الجمعية الوطنية للتغيير؟ أم من خلال النزول المستمر إلى الشارع في مظاهرات ووقفات احتجاجية؟

كما قد يلاحظ القارئ الكريم أن الفقرة السابقة من المقال تحتوى على تسع علامات استفهام. والقارئ المتابع للجدل الدائر الآن في وسائل الإعلام وعلى الانترنت يمكنه أن يحتج بأن علامات الاستفهام في موضوع الرئيس الجديد أكثر بكثير من سبعة. هل كثرة علامات الاستفهام هي سبب الارتباك والحيرة في صفوف الحالمين برئيس مصري جديد كفء ومحترم وديمقراطي؟ أظن أن حيرة التيار الديمقراطي المصري لا تأتي من فقط من كثرة الأسئلة المطروحة عليه ولكن أيضاً من التحديات التي تواجه الحوار ذاته. فالحوار لكي ينتج شيئاً، أي ينتج فهم متبادل وتوافق على نقاط مشتركة، يجب أن يكون له قواعد. وأول قاعدة في الحوار المنتج هو الاتفاق بادئ ذي بدء على أهمية وجدية الحوار ذاته. ما أكثر الحوارات في مصر التي تبدأ وتنتهي في المنتصف عندما يقلب البعض المائدة على أساس أن المهم هو العمل وليس الكلام. وكأن هناك تناقض بين الكلام والعمل أو كأن هناك عمل بدون كلام. في الحقيقة ليس هناك سياسة في الدنيا بدون كلام. حتى لو أردت أن تقلص من حجم الكلام في الممارسة السياسية بأقصى قدر ممكن بأن تنظم وقفة احتجاجية صامتة على سبيل المثال. هل تستطيع تنظيم الوقفة بدون الكلام مع الناس لدعوتهم للمشاركة ولشرح السبب في ضرورة أن تكون الوقفة صامتة؟ الحوار السياسي هو جزء لا يتجزأ من العمل السياسي،.

التحدي الثاني الذي يواجه الحوار داخل التيار الديمقراطي حول كيفية المشاركة في اختيار رئيس مصري كفء ومحترم وديمقراطي يكمن في أن جسم التيار الديمقراطي نفسه غير واضح المعالم وبالتالي هناك أطراف غير ديمقراطية تدخل على الخط وتشوش عليه. من هم الديمقراطيون في مصر؟ أقترح أن يكونوا أولئك الذين يؤمنون بالحريات العامة والفردية (وعلى رأسها حرية الدين والمعتقد) وبالمساواة بين كل المصريين وبحق الشعب في اختيار حكامه من خلال انتخابات حرة وعادلة. هؤلاء هم الذين وصفتهم بأنهم يريدون رئيس مصري كفء ومحترم وديمقراطي. ولكن هناك في مصر أناس راغبين أو قابلين برئيس كفء ومحترم فقط بدون ديمقراطي. لماذا؟ هنا يجب أن نفرق بين هؤلاء الخائفين من ديمقراطية الانتخابات الحرة لأنها قد تأتي برئيس مستبد وذلك بالرغم من أنهم يؤمنون بالحريات الفردية والجماعية، وأولئك الذي يريدون من الأصل رئيس غير ديمقراطي لأنهم غير مؤمنين بالحريات الفردية والجماعية. الأولون هم طرف أصيل في التيار الديمقراطي. سيتزحزح موقفه لو وجد مرشحاً ديمقراطياً قوياً للرئاسة، ولو اقتنعوا بأن أفضل ضمانة ضد الاستبداد هي السير إلى الأمام في طريق الديمقراطية الشاملة، هي رفض الديمقراطية المزيفة (أي استبداد مجموعة بإسم الأغلبية) لصالح الديمقراطية الشاملة، وليس لصالح بقاء الوضع الراهن، لأنه وضع غير قابل للاستمرار للأبد. أما أولئك الراغبون في “مستبد عادل” فهؤلاء موقعهم خارج التيار الديمقراطي. الحوار معهم ضروري ومفيد لأنهم يمثلون قطاعاً مهماً من الشعب المصري. ولكنه حوار أخر، حوار بين التيار الديمقراطي وتيارات مختلفة عنه، وليس حواراً داخل التيار نفسه.

التحدي الثالث أمام الحوار داخل التيار الديمقراطي هو أن تشرذم وتفكك هذا التيار. لقد تجاوز هذا التيار فعلاً انقساماته الإيديولوجية وحقق تقدماً ملحوظاً – خاصة في أجياله الشابة – في تجاوز التخندق الفكري وفي التعاون المشترك بين المختلفين في المنابع الفكرية، وسطية أو ليبرالية أو يسارية. لكنه يحتاج إلى الكثير من العمل لكي يتجاوز الانقسامات التنظيمية والتكتيكية. فالتيار الديمقراطي متناثر في بعض الأحزاب القائمة، كما في مجموعات كثيرة خارج النظام السياسي الرسمي، كما في أفراد تكاد لا تشارك في السياسة على الإطلاق، وهو مختلف في تكتيك المعارضة للسلطة القائمة. ففي موضوع المنافسة على منصب رئيس الجمهورية هناك من يرى أنه من الأفضل الدخول في الانتخابات بمرشح قوى للقوى الديمقراطية، وهناك من يرى أنه من الأصلح الدخول بمرشح توافقي لكل القوى المعارضة وهناك من يؤكد أن الدخول في الانتخابات مشروع فاشل وأنه من الأفضل المقاطعة. هذه الخلافات التكتيكية لا ينبغي أن تغطي على وحدة الهدف. أهمية وحدة التيار الديمقراطي في مصر تحتم عليه أن يتواصل ويتحاور وأن يتفهم أن الخلافات التكتيكية هي تباين في وجهات النظر وفي المواقع التي يعمل من خلالها الديمقراطيون. فهؤلاء الذين يعملون من خلال الأحزاب قد يميلون أكثر للمشاركة في الانتخابات بكل عوارها، وهؤلاء الذين يعملون من خلال الشبكات والمجموعات يميلون أكثر للمقاطعة بحكم موقعهم ذاته. المهم ألا يؤدي الخلاف التكتيكي إلى خصام واتهامات متبادلة. وربما يصل بنا الحوار إلى المزج بين أدوات معارضة السلطة من خارج النظام السياسي الموجود كما من داخله.

ستشهد مصر في السنة أو السنوات القليلة القادمة رئيساً جديداً. ولأول مرة منذ قيام نظام يوليو 1952 يصبح الشعب طرفاً في معادلة اختيار الرئيس الجديد. فالرئيس نجيب أتى إلى الرئاسة على رأس الضباط الأحرار، وكذلك أتى الرئيس جمال عبد الناصر. والرئيس السادات أتى بفعل اختيار الرئيس ناصر له وبمقتضى توافق المجموعة الحاكمة عليه بعد وفاة ناصر. وكذلك الأمر بالنسبة للرئيس مبارك الذي اختاره السادات. في كل هذه المرات كانت التفاعلات داخل المجموعة الحاكمة هي التي تحدد اسم الجالس على كرسي الرئاسة. اليوم الوضع مختلف جذرياً. المجموعة الحاكمة ليس لها مرشح قوى. وهذه فرصة ذهبية للتيار الديمقراطي لا يجب أبداً أن يضيعها. فليتواصل الحوار حول كيفية المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة وبعد القادمة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *